### **بين حماية النشء والمصالح الرقمية: أستراليا ويوتيوب في قلب معركة تشريعية عالمية**
في عالم يتزايد فيه القلق بشأن تأثير منصات
التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية والسلوكية للمراهقين، تقف أستراليا على أعتاب
خطوة تشريعية جريئة قد تعيد رسم معالم العلاقة بين عمالقة التكنولوجيا والمجتمعات
التي تخدمها. تستعد الحكومة الأسترالية لتقديم قانون هو الأول من نوعه عالميًا،
يهدف إلى حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمن تقل أعمارهم عن 16 عامًا، مع
فرض غرامات باهظة على الشركات التي لا تلتزم.
![]() |
### **بين حماية النشء والمصالح الرقمية: أستراليا ويوتيوب في قلب معركة تشريعية عالمية** |
- لكن في قلب هذه المبادرة الطموحة، تفجر نزاع حاد بين هيئة الرقابة على الإنترنت في البلاد
- ومنصة "يوتيوب"، العملاق المملوك لشركة "ألفابت"، حول استثناء محتمل قد يقوض القانون
- برمته ويثير أسئلة جوهرية حول الإنصاف والتنظيم الفعال في العصر الرقمي.
#### **المبادرة الأسترالية ريادة تشريعية في مواجهة تحدٍ عالمي**
من المقرر أن تطرح حكومة حزب العمال الأسترالية مشروع القانون في ديسمبر المقبل، وهو ما يمثل تتويجًا لنقاش مجتمعي وسياسي طويل حول الأضرار المحتملة لوسائل التواصل الاجتماعي. لم يعد الأمر مجرد تكهنات
- بل تؤكده دراسات متزايدة تربط الاستخدام المفرط لهذه المنصات بارتفاع معدلات القلق والاكتئاب
- واضطرابات صورة الجسد والتنمر الإلكتروني بين الشباب. تسعى كانبرا من خلال هذا القانون إلى
- نقل المسؤولية من أكتاف أولياء الأمور والمراهقين إلى الشركات التي تجني أرباحًا طائلة من تفاعل
- هذه الفئة العمرية.
الفلسفة وراء القانون واضحة: إذا كانت هذه المنصات مصممة لخلق حالة من الإدمان السلوكي عبر خوارزميات معقدة، فيجب على مصمميها تحمل عبء حماية المستخدمين الأكثر ضعفًا. يُنظر إلى هذا التحرك الأسترالي على أنه اختبار حاسم؛ فنجاحه أو فشله لن يقتصر تأثيره على الداخل الأسترالي، بل سيشكل سابقة تسترشد بها حكومات أخرى حول العالم، من واشنطن إلى بروكسل، والتي تتصارع مع نفس التحدي.
#### **قلب الجدل "استثناء يوتيوب" ومبرراته**
في خطوة أثارت الدهشة والجدل، أعلنت الحكومة في البداية عن نيتها منح "يوتيوب" استثناءً من هذا الحظر الشامل. استندت الحكومة في قرارها إلى طبيعة "يوتيوب" المزدوجة؛ فهي ليست مجرد منصة للتواصل الاجتماعي، بل هي أيضًا أكبر مكتبة فيديو في العالم، وتُستخدم على نطاق واسع في مجالات حيوية مثل التعليم والصحة.
- يرى المدافعون عن هذا الاستثناء أن حظر "يوتيوب" بالكامل سيحرم المراهقين من مصدر قيم
- للمعرفة والمهارات، بدءًا من الدروس التعليمية والمحاضرات الجامعية وصولًا إلى مقاطع الفيديو
- التثقيفية حول الصحة
النفسية والجسدية.
وقد سارعت "يوتيوب" للدفاع عن هذا الموقف، مسلحةً ببياناتها الخاصة. في منشور حاد اللهجة على مدونتها، أشارت راشيل لورد، مديرة السياسات العامة للشركة في أستراليا ونيوزيلندا، إلى أن بحثًا حكوميًا داخليًا وجد أن 69% من الآباء يعتبرون المنصة مناسبة لأبنائهم دون سن 15 عامًا.
كما
ركزت الشركة على أدواتها المخصصة للأمان الأسري، مثل منصة "YouTube Kids" والرقابة الأبوية، معتبرةً أن هذه الأدوات، جنبًا إلى جنب مع
المحتوى التعليمي الهائل، تجعلها فئة فريدة تستحق معاملة خاصة.
#### **صوت الرقيب هيئة السلامة الإلكترونية ترفض الاستثناء**
لم يمر هذا التوجه الحكومي دون معارضة شرسة من
الجهة المنوط بها حماية الأستراليين على الإنترنت. قادت جولي إنمان غرانت، مفوضة
السلامة الإلكترونية في أستراليا، حملة مضادة قوية، حيث راسلت الحكومة رسميًا
للمطالبة بإلغاء أي استثناءات مقترحة. بالنسبة لغرانت، فإن مبدأ "المعاملة
المتساوية" هو حجر الزاوية لأي تنظيم فعال. إن منح "يوتيوب" بطاقة
عبور مجانية من شأنه أن يخلق ثغرة هائلة في القانون ويجعله غير منصف.
- استندت المفوضة في موقفها إلى أبحاث هيئتها الخاصة، والتي قدمت صورة أكثر قتامة لواقع استخدام
- المراهقين للمنصة. كشفت الأبحاث أن 37% من الأطفال الأستراليين الذين تتراوح أعمارهم بين 10
- و15 عامًا أفادوا بمشاهدة محتوى ضار على "يوتيوب"، وهي النسبة الأعلى بين جميع منصات
- التواصل الاجتماعي التي شملها الاستطلاع.
هذا الرقم يقوض بشكل مباشر حجة "يوتيوب"
بأنها بيئة آمنة بطبيعتها. من وجهة نظر الهيئة، لا يمكن تجاهل الضرر الفعلي مقابل
الفائدة المحتملة، خاصة وأن خوارزميات "يوتيوب" يمكن أن تقود المستخدمين
الصغار بسهولة من مقطع فيديو تعليمي إلى محتوى متطرف أو غير لائق في غضون نقرات
قليلة.
#### **صرخة المنافسين الإنصاف ومخاطر الاحتكار**
لم تكن هيئة السلامة الإلكترونية وحدها في
معارضتها. سرعان ما انضمت شركات التكنولوجيا المنافسة إلى الجوقة، حيث وصفت شركات
مثل "ميتا" (المالكة لفيسبوك وإنستغرام)، و"سناب شات"، و"تيك
توك"، الاستثناء المحتمل بأنه "غير منصف على الإطلاق". ترى هذه
الشركات أن منصاتها تحتوي أيضًا على محتوى تعليمي وإيجابي، وأن التمييز لصالح "يوتيوب"
لا يستند إلى أساس منطقي واضح، بل يمنحها ميزة تنافسية ساحقة في سوق الشباب.
- إذا تم تطبيق القانون مع هذا الاستثناء، ستصبح "يوتيوب" المنصة الرئيسية الوحيدة المتاحة قانونيًا
- للمراهقين في أستراليا، مما قد يؤدي إلى ترسيخ هيمنتها بشكل أكبر. يثير هذا مخاوف جدية ليس فقط
- بشأن المنافسة العادلة في السوق، ولكن أيضًا بشأن ترك فئة عمرية كاملة عرضة لسيطرة
- خوارزميات شركة واحدة، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر على تنوع الأفكار والمعلومات التي
- يتعرضون لها.
#### **أبعاد أعمق هل "يوتيوب" مختلف حقًا؟**
يتجاوز الجدل السطحي حول الأرقام والنسب المئوية ليصل إلى سؤال فلسفي وتقني أعمق: هل يمكن تصنيف "يوتيوب" بشكل مختلف عن "تيك توك" أو "إنستغرام"؟ الحقيقة أن الخطوط الفاصلة بين أنواع المنصات أصبحت ضبابية بشكل متزايد.
- "يوتيوب" ليس مجرد مستودع فيديوهات пассивный؛ بل هو شبكة اجتماعية نشطة بكل المقاييس.
- يتميز بوجود التعليقات، والمجتمعات، والبث المباشر، ونظام التوصيات الخوارزمي الذي يشكل
- جوهر تجربة المستخدم، تمامًا مثل منافسيه. إن ميزة "YouTube Shorts"، وهي استنساخ مباشر
- لنموذج "تيك توك"، تجعل التمييز بينهما أكثر صعوبة.
لذلك، فإن حجة "الاستخدام التعليمي" قد
تكون سيفًا ذا حدين. فبينما يمكن للطالب استخدام المنصة لمشاهدة شرح لدرس في
الفيزياء، يمكن لنفس الخوارزمية أن تقترح عليه في الفيديو التالي محتوى يعزز
نظريات المؤامرة أو سلوكيات محفوفة بالمخاطر. إن الفصل بين "يوتيوب الجيد"
و"يوتيوب السيئ" هو تحدٍ شبه مستحيل، مما يجعل فكرة الاستثناء الشامل
تبدو ساذجة في نظر النقاد.
#### ** أستراليا على مفترق طرق**
تقف وزيرة الاتصالات الأسترالية، أنيكا ويلز،
أمام قرار صعب. فمن ناحية، هناك ضغط من عملاق تكنولوجي يتمتع بنفوذ هائل، ومن
ناحية أخرى، هناك تحذيرات واضحة من هيئة الرقابة المستقلة ومطالب بالإنصاف من بقية
قطاع التكنولوجيا. أكدت الوزيرة أن "الأولوية القصوى هي حماية الأطفال"،
لكن كيفية تحقيق هذه الحماية هي الآن محور النقاش.
الختام
إن القرار الذي ستتخذه أستراليا بشأن "استثناء
يوتيوب" سيكون له أصداء تتجاوز حدودها بكثير. فإما أن تؤسس لنموذج تنظيمي
صارم ومتساوٍ يضع معيارًا عالميًا جديدًا لمساءلة الشركات، أو أن تفتح الباب أمام
مفاوضات فردية مع كل شركة، مما قد يضعف أي محاولة مستقبلية للتنظيم الشامل. في هذه
المعركة بين حماية المراهقين ومنطق السوق، العالم يراقب ليرى أي طريق ستختار
أستراليا.